1 شبكة منبر التدبر للتعليم عن بعد الباب الرابع تعالى-. للشيخ/ خالد بن عبدالعزيز الباتلي.

Transcription

1 1 شرح الباب الرابع من كتاب التوحيد لشيخ اإلسالم محمد بن عبدالوهاب تعالى-. -رحمه هللا للشيخ/ خالد بن عبدالعزيز الباتلي. * مالحظة/ التفريغ غير م راجع من قبل الشيخ.

2 ن)إ 2 باب الخوف من الشرك وقول هللا عز وجل: للا ه له يهغ ف ر أهن يش هر هك يه هشاء) ل همن دو هن هذل هك هما هويهغ ف ر ب ه وقال الخليل عليه السالم: )و اج ن ب ن ي و ب ن ي أ ن ن ع ب د األ ص ن ام ( وفي الحديث: )أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر( فسئل عنه فقال: )الرياء( وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: )من مات وهو يدعو من دون هللا ندا دخل النار( ]رواه البخاري[. ولمسلم عن جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار(. )من لقي هللا ال يشرك به شيئا الشرح/ المبحث األول: مقصود الباب وموضوعه العام: لما ذكر الشيخ رحمه هللا في الباب األول التوحيد وعظم التوحيد ثم ذكر في الباب الثاني فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ثم ذكر في الباب الثالث تحقيق التوحيد واألجر المترتب عليه فأقول: لما ذكر المؤلف التوحيد وعظمته وفضله وتحقيقه ناسب أن يذكر ضده وهو الشرك ألجل أن يحذره المؤمن ويخافه على نفسه ومن لوازم تحقيق التوحيد الخوف من الشرك بأنواعه يقول حذيفة رضي هللا عنه: )كان الناس يسألون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه( انظروا إلى الفقه! هذا األثر يعطينا فائدة منهجية وهي أن اإلنسان كما يتفقه في الخير عليه أن يتعرف على الشر ألجل أن يحذر وي حذ ر منه, وهذا ما سلكه الشيخ لما ذكر التوحيد ذكر ضده وهو الشرك والخوف من الوقوع فيه, يقول سفيان الثوري رحمه هللا: )من أمن هللا على دينه طرفة عين سلبه إياه( وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه هللا في كالم له عن الشرك والخوف من الشرك )الشرك أمره صعب جدا ليس بهين لكن الموفق من وفقه هللا وعصمه منه ألنه أخفى فيه هذه األمة من دبيب النملة على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء(. المبحث الثاني: المسائل الموضوعية: الكالم على هذا الباب يتضمن عدة مسائل موضوعية هذه المسائل في غاية األهمية علينا أن نعتني بهذه المسائل ألنها تشكل ركيزة وأصل نبني عليه فيما يأتي ألن هذا الكتاب كله مبناه على التوحيد والشرك األمر بالتوحيد ومسائل التوحيد والتحئير من الشرك بأنواعه المختلفة فلهذا البد أن يكون عندنا ركيزة وأصل راسخ في هذا الموضوع وقاعدة صلبه في هذا الموضوع موضوع الشرك. المسألة األولى: معنى الشرك.

3 3 ما معنى الشرك: في اللغة: المقارنة وخالف اإلنفراد, ومنه الش ركة ألنه اجتمع فيها أكثر من واحد, فال يقال عن شخص واحد أنه أقام شركه وإنما الشركه ما كان فيه مجموعة مشتركون اثنان أو أكثر ومن ذلك قول موسى عليه السالم )وأشركه في أمري( أي: اجعله معي شريكا وال أكون منفردا بهذا األمر. االصطالح: عرف بتعريفات كثيرة متقاربة ويمكن أن يقال أن الشرك: "هو أن يجعل هلل ند فيما يجب له أو ي ختص به" وبهذا يتبين معنى الشرك أنه اتخاذ الند والشريك والمثيل مع هللا سبحانه وتعالى وأيضا والشرك قد يقع باعتقاد القلب أو بقول اللسان أو بعمل الجوارح وممكن أن يكون مشركا بالفعل. االعتقاد: أن يعتقد أن مع هللا إله يستحق العبادة أو يعتقد أن فالن من الناس بيده الضر والنفع. القول: مثل أن يحلف بغير هللا, يدعو غير هللا. الفعل: أن يسجد للقبر, يذبح لفالن من األولياء المسألة الثانية: هل األصل في اإلنسان التوحيد أو الشرك )مسألة مهمة( األصل في اإلنسان هو التوحيد يقول هللا سبحانه وتعالى: )ف أ ق م و ج ه ك ل لد ي ن ح ن يف ا ف ط ر ت ههللا الهت ي ف ط ر ال هناس ع ل ي ه ا(, وقال جل وعال: )و إ ذ أ خ ذ ر ب ك م ن ب ن ي آد م م ن ظ ه ور ه م ذ ر هيت ه م و أ ش ه د ه م ع ل ى أ نف س ه م أ ل س ت ب ر ب ك م ق ال وا ب ل ى ش ه د ن ا أ ن ت ق ول وا ي و م ال ق ي ام ة إ هنا ك هنا ع ن ه ذ ا غ اف ل ي ن( مسألة أخد الميثاق على بني آدم والعلماء لهم كالم على هذا, هل أخذ الميثاق حسي كما ورد في بعض اآلثار أن هللا أخرج من ظهر آدم ذريته كالذر واستنطقهم واخذ عليهم هذا الميثاق حسا أو أن المسألة أن هذا كناية عن الفطرة التي فطروا عليها وهي التوحيد -قوال ألهل العلم ولعله يأتي تفصيلهما في دراسة علم العقيدة -. الشاهد: أن األمر الذي يجب أن نقرره ونبينه أن هللا خلق الخلق حنفاء موحدين هذا في أصل فطرتهم لكن عرضت لهم انحرافات أفسدت لهم األصل وحرفتهم إلى الشرك ويدل على ذلك قوله عز وجل )كان ال هناس أ همة و اح د ة ف ب ع ث ههللا ال هنب ي ين م ب ش ر ين و م ن ذ ر ي ن( قال بن عباس رضي هللا عنهما: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شربعة من الحق فاختلفوا فبعث هللا النبيين مبشرين ومنذرين" كان الناس على الهدى والتوحيد فاختلفوا وانحرفوا في وقوعهم في الشرك عند بعثة نوح عليه السالم فبعث هللا النبيين وكان أول من بعث هو نوح. أيضا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي هللا عنه: )ما من مولود يولد إال على الفطرة( ثم يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم )ف ط ر ت ههللا الهت ي ف ط ر ال هنا س ع ل ي ه ا(. وجاء في الحديث عن النبي صلى هللا عليه وسلم: )خلق عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم( رواه مسلم في صحيحه, اجتالتهم يعني: استخفتهم فصرفتهم عن دينهم. فهذه األدلة واآليات السابقة صريحة في تقرير هذا األصل وهو أن هللا خلق العباد على الحنيفية وهي عبادة هللا وحده ال شريك له وأن الشياطين صرفوهم عن ذلك وأوقعتهم في الشرك فلما اختلفوا بعث هللا النبيين والرسل ليبينوا لهم الحق ويدعوهم إلى عبادة هللا وحده ال شريك له, هذا القول األصل والفصل في هذه المسألة. وهناك أيضا مذاهب أخرى ونظريات في هذه المسألة لن نخوض فيها لكن يجب أن نتنبه عندما نسمعه مثل هذا الكالم أو نقرأ ألن هناك طرح يخالف ما سبق فهناك بعض النظريات التي ترى أن الناس كانوا على الشرك واألصل هو الشرك حتى بعث هللا الرسل ليدعو إلى التوحيد وأن الرسل جاءوا لينقلوا الناس من األصل وهو الشرك وهذا تبنته بعض النظريات في علم االجتماع وعلم النفس وهو ما يعبر عنه بالمذهب الطبيعي أو المذهب الروحي والنظرية الفرودية منسوبة إلى فرويد, وتأثر بهذا مفكرين إسالميين كالعقاد عفى هللا عنه وغيرهم, فالمهم ال حاجة أن نناقش في أدلتهم وكذا, المهم أن نعرف الحق بدليله, العلم معرفة الهدى بدليله, عرفنا الحق والصواب في هذه المسألة مع األدلة التي تدل عليه. المسألة الثالثة:

4 4 أسباب وقوع الشرك وكيف كان مبدؤه. العكوف عند القبور وتعظيمها. هذا سبب أيض ا رئيس ولهذا حذر منه النبي صلى هللا عليه وسلم العكوف عند القبور أو تعظيمها بالبناء عليها,واتخاذ المساجد واتخاذ السرج, ونحو ذلك, وسيأتي إن شاء هللا تفصيل ذلك في أبواب هذا الكتاب كتاب التوحيد. السبب الرابع : التقليد. هذه المسألة الحقيقة أنها مهمة لطالب العلم والداعية إلى هللا, وكل طالب علم ينبغي أن تكون الدعوة هم ا له, كما أن الداعية ال يمكن أن يدعو إال بعلم, فإذا المسألة متالزمة, من سلك طريق الطلب فعليه أن يدعو ليبلغ هذا العلم, ومن سلك طريق الدعوة فعليه أن يتعلم ألجل أن تكون دعوته على بصيرة, على علم, التعرف على هذه األسباب من المهمات لطالب العلم والداعية إلى هللا حتى ينتبه وينبه ويحذر الناس من الوقوع فيها, ألنها هي األسباب والبذور والبدايات التي أوقعت الناس في هذه المصيبة والداهية الدهياء وهي االشراك باهلل غيره. -السبب األول: الغلو. وهذا أصل الشرك وسبب من األسباب الرئيسة في وقوع أمم من في هذا األمر, شرك قوم نوح وقوم صالح وقوم هود وغيرهم كان بسبب الغلو, والغلو يعني تعظيم هذا المخلوق سواء كان نبيا أو ول يا أو صال حا أو مل كا أو جن يا أو كوك با أو حج را أو غير ذلك, فلما ع ظم وغلى فيه من غلى, تطور األمر حتى ج عل هذا المغلو فيه شريكا وندا مع هللا سبحانه وتعالى, الغلو إذا مجاوزة الحد في مدح الشيء أو ذمه, يقول هللا عز وجل: )ي ا أ ه ل ال ك ت اب ال ه و ال م س يح اب ن م ر ي م(, ولهذا النبي صلى هللا عليه وسلم حذر ت غ ل وا ف ي د ين ك م( النصارى غلو في عيسى حتى اتخذوه إلها, ( ل ق د ك ف ر ال ذ ين ق ال وا إ ن للا غاية التحذير من هذا األمر, وفي حجة الوداع ذلك المحفل والمجمع االيماني الكبير الذي حضره عشرات اآلالف من المسلمين لما وقف على جمرة العقبة أراد أن يرمي أخذ جمار ا صغار ا وقال: "بمثل هؤالء فارموا, وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو", بداية الشرك كم سيأتي في قوم نوح كان بسبب الغلو في الصالحين, عظموهم ورفعوهم فوق قدرهم حتى صوروهم ثم تطور األمر وغلوا بهم غلو ا حتى وقعوا في عبادتهم. السبب الثاني: الجهل بقدر للا سبحانه وتعالى. ح ق ق د ر ه ) فمن قدر هللا حق قدره هل يمكن أن يجعل معه شريك ا من عرف قدر هللا ومكانه وما يستحقه سبحانه ولهذا يتكرر في القرآن ( و م ا ق د ر وا للا هل يمكن أن يجعل معه ندا وظهيرا ومثيال الجواب قطع ا ال. إذا الذي أوقع فآم من الناس جماعات وأمم من الناس في الشرك في أنهم ماعرفوا هلل قدره, ال قدروا هللا حق قدره, جهلوا بمقامه, وما يستحقه سبحانه. ولهذا يذكر الجهل في مقام التحذير من الشرك, يقول هللا عز وجل آمرأ رسوله صلى هللا عليه وسلم: )"ق ل أ ف غ ي ر للا ت أ م ر ون ي" -هو يخاطب المشركين- "أ ع ب د أ ي ه ا ال ج اه ل و ن"( وقال سبحانه وتعالى في قصة نوح: )قال ي ا ن وح إ ن ه ل ي س م ن أ ه ل ك إ ن ه ع م ل غ ي ر ص ال ح ف ال ت س أ ل ن م ا ل ي س ل ك ب ه ع ل م إ ن ي أ ع ظ ك أ ن ت ك ون م ن ال ج اه ل ين ) السبب الثالث: والتقليد قسمان : -قسم محمود. -قسم مذموم. والكالم على التقليد المذموم, وهو قبول قول الغير, من غير حجة. يقول سبحانه وتعالى لو تدبرنا القرآن لوجدنا هذا السبب مشار ا إليه في كتاب هللا قال جل وعلى: ) و ك ذ ل ك م ا أ ر س ل ن ا م ن ق ب ل ك ف يق ر ي ة م ن ن ذ ير إ ال ق ال مت ر ف وه ا إ ن ا و ج د ن ا آب اء ن ا ع ل ى أ م ة و إ ن ا ع ل ى آث ار ه م م ق ت د و ن) يعني وجدنا آباءنا على شيء ونحن نقلدهم, وهذا السبب الذي أبقاهم على الشرك مع أن الرسول جاءهم بالحق, )ف ل م ا ج اء ه م م وس ى ب آي ات ن ا ب ي ن ا ت ق ال وا م ا ه ذ ا إ ال س ح ر م ف ت ر ى و م ا س م ع ن ا ب ه ذ ا ف ي آب ائ ن ا األ و ل ين ) نحن وجدنا آباءنا على شيء, فنحن نمشي عليه.

5 5 وقوم صالح قالوا له: )أ ت ن ه ان ا أ ن ن ع ب د م ا ي ع ب د آب اؤ ن ا( وقال قوم إبراهيم له: )بل و ج د ن ا آب اء ن ا ك ذ ل ك ي ف ع ل و ن) ومشركو العرب قالوا لمحمد لما دعاهم لكلمة التوحيد ال إله إال هللا: )م ا س م ع ن ا ب ه ذ ا ف ي ال م ل ة ا ل خ ر ة( فإذ ا تالحظون أن المشركين والذين جاءهم ودعاهم األنبياء والرسل كانوا يحتجون على دعوة الرسل أنهم ما سمعوا بهذا في من قبلهم, وفيما سبقهم, وهم يقلدون آباءهم, وجدوا آباءهم على شيء ويقلدونهم ويسيرون على ذلك. وفي قصة أبي طالب عبرة أيض ا, النبي صلى هللا عليه وسلم كان حريص ا على هداية عمه أبو طالب ابن عبدالمطلب حتى لما حضرته الوفاة أتاه النبي صلى هللا عليه وسلم و وقف على رأسه وقال يا عم قل ال إله إال هللا كلمة أحاجك بها عند هللا, لكن عنده رفقاء السوء عبدهللا ابن أبي أمية وأبو جهل,عبدهللا ابن أبي أمية قبل أن يسلم, وأبو جهل فرعون هذه األمة, وكان يلقنانه ويقوالن له أترغب عن ملة عبدالمطلب يعني هذا شيء كان عليه أبوك كيف ترغب عنه سر على ما سار عليه, فأعاد النبي صلى هللا عليه وسلم كلمته قل ال إله إال هللا وأعادا عليه, حتى كان آخر ما قال إنه على ملة عبدالمطلب ومات على الشرك نسأل هللا العافية. وإال وهو في قرارة نفسه أبوطالب كان يعلم بصدق النبي وله في ذلك قصائد من ضمنها قوله : ولقد علمت أن دين محمد **** من خير أديان البرية دين ا لوال المالمة أو حذار مسبة **** لوجدتني سمح ا بذاك ملينا يقول أني أعلم أن ما جاء به محمد هو الخير وهو الصدق وهو الصحيح والصواب, لكني أخشى المالمة يلومني قومي إن تركت ما جاء به آبائي وأجدادي ويسبوني ويهجروني ويعادوني, فهذا هو المانع وإال كنت قابال سمح ا بذلك قابال له. لوال المالمة أو حذار مسبة **** لوجدتني سمح ا بذاك ملين ا السبب الخامس: التصوير. فالتصوير سبب بل هو سبب أول شرك وقع في تاريخ البشرية سببه التصوير, كما جاء ذلك في صحيح البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: )و ق ال وا ال ت ذ ر ن آل ه ت ك م و ال ت ذ ر ن و د ا و ال س و اع ا و ال ي غ وث و ي ع وق و ن س ر ا( قال ابن عباس: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح, -يعني هذي األسماء كانت في األصل هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح- فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم, أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاب ا وسموها بأسمائهم, ففعلوا ولم ت عبد, حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم ع بدت". وبين ذلك محمد ابن قيس وقال: "كانوا قوم ا صالحين من بني آدم وكان لهم أتباع يقتدون بهم, فلما ماتوا قال أصحابهم لو صو رناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم, فصو روهم, فلما ماتوا, وجاء آخرون دب إليهم إبليس, فقال: إنما كانوا يعبدونهم, وبهم ي سقون المطر فعبدوهم". هذا تاريخ بدء الشرك في البشرية, لهذا السبب الصور, هؤالء أناس ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر, ناس صالحين رجال صالحين, من أهل الخير والعبادة, لما ماتوا أصحابهم قالوا نجعل لهم ذكرى, البد أن نجعل لهم ذكرى ما ننساهم ما نتركهم, نصو رهم! نجعل لهم صور وتماثيل ألجل أن نتذكرهم, إذا رأيناهم ورأينا صورهم تنشطنا على العبادة, هذي البداية, يعني ما عبدوهم ولم يفكروا بذلك, قالوا: لكن هذه الصور نجعلها إذا رأيناهم تذكرناهم وهذا ينشطنا ويحفزنا على عبادة هللا, ففعلوا ذلك وجاء الجيل الذي بعدهم فلما رأوا هذه التماثيل وهذه الصور أوحى إليهم إبليس ووسوس إليهم أنها ما صنعت إال لعبادة هؤالء فعبدوهم, فوقع الشرك فبعث هللا إليهم رسوله نوح ا عليه الصالة والسالم. وسيأتي إن شاء هللا الكالم في هذه المسألة, أفرد له الشيخ رحمه هللا باب ا, باب ما جاء في المصورين, وسيأتي الكالم على تفاصيل أحكامه في موضعه إن شاء هللا عز وجل. إذ ا هذه األسباب باختصار هي األسباب التي أد ت إلى وقوع الشرك, علينا أن نعلمها, ثم نتدبرها ونحذر منها في واقعنا, إذا وجدنا بذور الغلو ننتبه, إذا وجدنا الجهل بحق هللا ننتبه, إذا وجدنا المبالغة في التصوير والتماثيل والمجسمات ننتبه, وأن هذه بداية, وعلينا أن نقضي على البداية ما دامت في بدايتها, ألنها تتطور ويكبر األمر حتى يقع الناس في الشرك نسأل هللا السالمة.

6 6 األمر كما ذكرنا أن البداية في أولئك القوم الذين بعث إليهم نوح عليه السالم, ثم استمر الشرك بعد قوم نوح وعاد وثمود وإبراهيم ولوط ويوسف وشعيب وموسى وعيسى, كان الشرك موجود ا, وكان هللا عز وجل يبعث في هذه األمم رسال يدعون أقوامهم, ولهذا حين نقرأ القرآن ونتدبره نجد أن دعوة األنبياء واحدة, كل نبي يقول: يا قوم اعبدوا هللا مالكم من إله غيره, يا قوم اعبدوا هللا مالكم من إله غيره, يا قوم اعبدوا هللا مالكم من إله غيره, وهكذا. فدعوة األنبياء في أصلها واحدة, واستمر األمر حتى بعد عيسى عليه السالم, وكان العرب قبل البعثة المحمدية على الحنيفية ملة إبراهيم عليه الصالة والسالم, حتى جاء من جاء وغير دين إبراهيم وكان أول من غير دين إبراهيم عمر ابن لحي الخزاعي, هذا الرجل وجد األصنام التي تعبد في زمن نوح وإدريس, وهو ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر, فحملها إلى مكة, ودعا الناس إلى عبادتها, فاستحسن الناس ذلك لجهلهم, فانتشرت بسبب ذلك عبادة األصنام بين العرب وانحرف الناس عن ملة إبراهيم الحنيفية, ولذلك أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم أن عمر بن لحي يجر أمعاءه في النار كما ثبت في الحديث الصحيح, فتطور الشرك في العرب منهم من يعبد األصنام ومنهم من يعبد الجن, دليل ذلك: )و ج ع ل وا ل ل ش ر ك اء ال ج ن و خ ل ق ه م( اآلية الثانية قوله تعالى في سورة سبأ: )ب ل ك ان وا ي ع ب د ون ال ج ن أ ك ث ر ه م ب ه م م ؤ م ن و ن( إذا كان من العرب من العرب من يعبد الجن, ذكروا عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه لما كان في الجاهلية أنه كان له صنم من عجوة التمر, فإذا جاع أكله وإذا شبع عبده, وهذا من عجائب القوم في جاهليتهم, وذكروا أن رجال كان عنده صنم يعبده, جعله في بيته وكان جعله في أحسن مكان في البيت ويطيبه, فلما أصبح يوم ا كانت له عادة أنه إذا أصبح أول ما يقوم به يعبد هذا الصنم يسجد له, فلما قام في يوم من األيام أصبح هذا الرجل فوجد على رأسه بول حيوان من الحيوانات قد دخل هذا البيت وبال على رأسه فغضب هذا الرجل وحزن فأتى بالماء ونضف هذا الصنم وطيبه وطه ره, ثم سجد له, ولما كان من الغد كذلك أصبح فنزل إلى هذا الصنم فوحد على رأسه بوال لحيوان أظنه ثعلب ا أوكذا, فجاء بالماء وطيبه وطهره, فلما جاء اليوم الثالث كذلك فلما رآه قال : أرب يبول الثعلبان برأسه ***** لقد خاب من بالت عليه الثعالب يعني تعجب كيف يكون رب ي عبد ويأتيه هذا الثعلب ويبول على رأسه أرب يبول الثعلبان برأسه ***** لقد خاب من بالت عليه الثعالب وهناك من أشرك باهلل الكواكب وغير ذلك, المهم أنهم وقعوا في الشرك حتى جاءت البعثة المحمدية وكانت نور ا وهداية في دعوة هؤالء وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد واإليمان. المسألة الرابعة: وقوع الشرك في هذه األمة. أريد أن تنتبهوا لها وتفقهوها ألن هنالك طرح من بعض المعاصرين الذين يقولون أنتم تضخمون الشرك واألمة وهلل الحمد على التوحيد والخير باق في هذه األمة وما إلى ذلك من النصوص, فيزهدون الناس في قضية الشرك والخوف من الشرك والحذر منه. هل هذه األمة تقع في الشرك الجواب/ نعم والدليل على ذلك عدة أحاديث صحيحة منها ما رواه أبو هريرة رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال: )ال تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة) والحديث رواه البخاري ومسلم, متفق عليه. وذو الخلصة طاغة دوس الذي كان يعبد في الجاهلية, معبود قبيلة دوس في الجاهلية, وقال النبي صلى هللا عليه وسلم في حديث عائشة: )ال يذهب الليل والنهار حتى ت عبد الالت والعزى( والحديث رواه مسلم في صحيحه. والحديث اآلخر عن ثوبان رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال: )ال تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين, وحتى تعبد قبائل من أمتي األوثان( والحديث رواه أبو داود واإلمام أحمد في مسنده وسنده صحيح. المسألة الخامسة: خطر الشرك والخوف منه. وهذه المسألة كما قلت هي بيت القصيد في هذا الباب, فعنوان الباب وترجمته: باب الخوف من الشرك, وهذا من ما يهم كل مسلم ومسلمة, هذا من العلم النافع الذي ينبغي على كل مسلم مسلمة أن يتعلمه ويعلمه.

7 7 فمما يدل على خطره ويدعو إلى الخوف منه عدة أمور: األمر األول: أن الشرك هو الذنب الذي ال يغفره هللا أبدا إال بالتوبة. ال ي غ ف ر أ ن ي ش ر ك ب ه و ي غ ف ر م ا د ون ذ ل ك ل م ن ي ش اء( قال هللا تعالى: ( إ ن للا األمر الثاني: أن الجنة حرام على المشرك, ومأواه النار خالد ا فيها. قال هللا تعالى: ( ع ل يه ال ج ن ة و م أ و اه الن ار و م ا ل لظ ال م ين م ن أ نص ا ر) إ ن ه م ن ي ش ر ك ب ا ل ل ف ق د ح ر م للا األمر الثالث: أن عمل المشرك حابط, باطل ال فائدة منه. قال هللا تعالى: )و ق د م ن ا إ ل ى م ا ع م ل وا م ن ع م ل ف ج ع ل ن اه ه ب ا ء م نث ور ا) وقال هللا تعالى: )و ل و أ ش ر ك وا ل ح ب ط ع ن ه م م ا ك ان وا ي ع م ل و ن( أعمالهم حابطة, بل األمر الذي يدعو إلى االنتباه أن هللا خاطب أفضل الرسل محمد عليه الصالة والسالم مع مقامه فقال له: )و ل ق د أ وح ي إ ل ي ك و إ ل ى ال ذ ين م ن ق ب ل ك ل ئ ن أ ش ر ك ت ل ي ح ب ط ن ع م ل ك و ل ت ك ون ن م ن ال خ اس ر ي ن( األمر الرابع: أن شيخ الموحدين وهو الخليل إبراهيم عليه الصالة والسالم خافه على نفسه, كما ذكر الشيخ هنا في هذا الباب, قال إبراهيم: )و اج ن ب ن ي و ب ن ي أ ن ن ع ب د األ ص ن ام (. اآلن أسألكم -ودعونا صريحين-: هل أحد منا دعا يوما بمثل هذا الدعاء هل أحد منا دعا أن يجنبه هللا عبادة األصنام الظاهر الحقيقة ال.. هل نحن في مأمن -يعني اإلنسان يظن أنه في مأمن عن هذا األمر, عن الوقوع في هذه الصورة من صور الشرك- لكن أين نحن من مقام الخليل الذي اتخذه خليال وجعله نبي ا رسوال وهو أفضل الرسل بعد محمد عليه الصالة والسالم, أفضل خلق هللا من البشر بعد رسول هللا محمد هو الخليل إبراهيم عليه الصالة والسالم, ومع ذلك يخاف على نفسه ويقول: )و اج ن ب ن ي و ب ن ي أ ن ن ع ب د األ ص ن ام (. األمر الخامس: أن هللا عز وجل وصفه بالنجاسة, ووصف أصحابه بالنجاسة, فقال: )ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا إ ن م ا ال م ش ر ك ون ن ج س( وذكرنا في الفقه أن هذه النجاسة نجاسة معنوية, لكن تبقى أنها نجاسة, وهذا مما يدعو إلى مجانبة الشرك والبعد عنه. األمر السادس: أنه أخوف ما خافه الرسول علينا. تأملوا في الحديث ما هو الذي صلى هللا عليه وسلم خافه علينا ذلك, بل أخوف ما أخاف عليكم,يعني كأنه يقول إني اخاف عليكم أشياء, النبي صلى هللا عليه وسلم يخاف على أمته أن تقع في أشياء, لكن أخوف هذه األشياء, أخوف المخوفات قال: )أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر(, وهذا الحقيقة لو تأمله اإلنسان وتدبره, القشعر جلده وارتعدت فرائصه, وقف شعره خوف ا من هذا األمر! األمر السابع: أن الشرك سبب لحلول المخاوف وذهاب األمن. قال هللا عز وجل: (ال ذ ين آم ن وا و ل م ي ل ب س وا إ يم ان ه م ب ظ ل م أ و ل ئ ك ل ه م األ م ن و ه م م ه ت د و ن) وفسر النبي صلى هللا عليه وسلم الظلم بالشرك, فمعنى اآلية ومفهومها: أن من وقع في الشرك ذهب عنه األمن بقدر ما وقع فيه.

8 8 هذه األمور السبعة ذاكروها واحفظوها وأيضا انقلوها إلى من تحبون ألنها من العلم النافع الذي يحرص عليه وينشر بين الناس, تعليما وتحذيرا. المسألة السادسة: أقسام الشرك. والعلماء لهم كالم في هذا, ويقسمون الشرك بعدة اعتبارات المهم منها اعتباران: -وانتبهوا ألن هذا التأصيل في الشرك سوف نستفيد منه ونحتاجه في كتاب التوحيد إلى آخره, ولهذا أنا حرصت أن يكون هذا الدرس تأصيلي ا في موضوع الشرك, إذا فهمنا الشرك سهل علينا األبواب القادمة, مما ياتي إلى آخر أبواب كتاب التوحيد- االعتبار األول/ أنه ينقسم إلى: أكبر وأصغر. القسم األول : الشرك األكبر نوعان: جلي, وخفي. نضرب مثال شرك أكبر جلي- : السجود للصنم. خفي, مثل: اعتقاد المنافقين الذين يظهرون اإلسالم ويبطنون ما عليه قومهم المشركون, هذا شرك أكبر ألنهم يعتقدون الشرك, يعتقدون أن مع هللا غيره لكنه مخفي ما يظهرونه, ومثل ما يذكره العلماء في باب خوف السر هذا شرك خفي وسيأتي الكالم عليه إن شاء هللا في بابه. القسم الثاني: الشرك األصغر. وهو نوعان أيضا : جلي, وخفي. نضرب مثال خفي للنوع األول شرك أصغر جلي مثل: الحلف بغير هللا. النوع الثاني: شرك أصغر خفي مثل: الرياء. فإن الرياء أمر خفي, ما ي طلع عليه, ليس شيء مسموع و شيء منظور, هو شيء قلبي داخلي خفي. خالصة هذا التقسيم: أن الشرك ينقسم إلى قسمين: األول: الشرك األكبر. والثاني: الشرك األصغر.

9 9 وكل قسم يندرج تحته نوعان, جلي, وخفي.. فيكون الشرك األكبر منه ما هو جلي ومنه ماهو خفي, والشرك كذلك منه ما هو جلي ومنه ما هو خفي. هذا التقسيم األول. االعتبار الثاني/ -ذكره بعض أهل العلم- أنهم يقسمون الشر ك باعتبار أنواع التوحيد, فعلى هذا يكون الشرك ثالثة أقسام: القسم األول: الشرك في األلوهية. ومعناه شرك العبادة, يعني أن يصرف نوع من أنواع العبادة لغير هللا. مثل/ الدعاء والذبح والسجود لغير هللا. القسم الثاني: الشرك في الربوبية. وضابطه: جعل شريك هلل تعالى في أفعاله. أفعال هللا مثل/ الخلق, الرزق, التدبير, إحياء الموتى, إنزال المطر, شفاء المطر, ونحو ذلك. أمثلته/ النمرود لما حاج إبراهيم قال: "أنا أحيي وأميت" هذه العبارة شرك في الربوبية. ألنا إذا أردنا أن نعرف ننظر إلى هذا الفعل: هل هو من أفعال العبد أم من أفعال هللا هذا هو لضابط الذي يضبط لك تنزيل الشرك في هذا التقسيم. - فقوله: "أنا أحيي وأميت", اإلحياء واإلماتة من أفعال من أفعال هللا, إذا هو شرك في الربوبية. لو قال قائل: أنا أستغيث بالولي الفالني, هذا شرك في األلوهية, ألن االستغاثة يفعلها من العبد أم هللا يفعلها العبد, إذا هي شرك في األلوهية. من يعتقد أن لبعض المخلوقات تؤثر في حركة األجسام العلوية, وهذا اعتقاد عند بعض الفرق, يظنون أن بعض المخلوقات في األرض تؤثر في حركة األجسام العلوية من الكواكب, هذا شرك في الربوبية. من يعتقد أن فالن الولي أو السيد يسي ر بيده الضر والنفع, كبعض الرافضة, اآلن في الرافضة يعتقدون أن بعض أئمتهم يعلمون الغيب, وهذا موجود في كتبهم, أن فالن اإلمام المعصوم يعلم ما كان وما يكون, هذا شرك في الربوبية, ألن علم الغيب هذا هلل سبحانه وتعالى وهكذا, على هذا فقس.. القسم الثالث: الشرك في األسماء والصفات. وذلك باعتقاد شريك هلل تعالى فيما يختص به من األسماء والصفات. وهذا يسمى: التمثيل. مثل من يمثل في مخلوق أن له القدرة الكاملة, والقدرة الكاملة هذه من صفات هللا. أو له العلم المطلق, أو من شبه هللا تعالى بخلقه, كمن يقول يد هللا كيد فالن, أوسمعه كسمع كذا, فهذا كله شرك في باب األسماء والصفات. وكذلك تسمية اآللهة بأسماء هللا تعالى, مثل ما فعل المشركون فإنهم اشتقوا آللهتهم من أسماء هللا, قال هللا جل وعال: )و ل ل األ س م اء ال ح س ن ى ف اد ع وه ب ه ا و ذ ر وا ال ذ ين ي ل ح د ون ف ي أ س م آئ ه ) جاء عن ابن عباس: أن إلحادهم في أسمائه أنهم سموا بها أوثانهم. يعني غيروها, وسموا بها أوثانهم, فاشتقوا الالت من هللا, عنهم صنم الالت اشتقوه من هللا, وعندهم صنم العزى اشتقوه من العزيز, ومناة اشتقوه من المنان, وهكذا.

10 11 هذه المسألة السادسة أقسام الشرك وقلنا أن الشرك ينقسم باعتبارين: التقسيم األول: باعتبار حجمه, وهو ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر, وكل قسم قسمان جلي وخف ي. والتقسيم الثاني: بحسب أنواع التوحيد, وعلى هذا ينقسم إلى ثالثة أقسام, شرك في األلوهية, وشرك في الربوبية, وشرك في األسماء والصفات. المسالة السابعة: ضوابط الشرك. أو بعبارة أخرى متى يسمى الفعل شركا. وهذه مسألة مهمة أيضا في فهم الشرك وفي تنزيل المسائل على هذا الموضوع, هذا األمر, متى يعد شرك ا ومتى ال يعد. هناك عدة ضوابط/ الضابط األول: أن كل ما سماه هللا ورسوله صلى هللا عليه وسلم شركا فهذا شرك, يعني إذا ورد في الكتاب او في السنة أن هذا األمر شرك فنعده مباشرة شرك. الضابط الثاني: كل ما فيه تشبيه للمخلوق بالخالق فيما هو من خصائص هللا فهو شرك, أي أمر تشبيه للمخلوق بالخالق فيما هو من خصائص هللا فهو شرك. يعني أمر مختص باهلل مثل العبادة,العبادة ال تجوز إال هلل, مثل القدرة المطلقة, مثل إنزال المطر, مثل إحياء الموتى, مثل شفاء المرضى, إذا ألحقنا المخلوق بالخالق في هذا األمر فهو شرك. الضابط الثالث: صرف شيء من العبادات تقرب ا لغير هللا شرك. أي إنسان يصرف شيء من العبادة لغير هللا يتقرب بها لغير هللا فهذا شرك. الضابط الرابع: إثبات وسائط بين هللا تعالى وبين خلقه شرك. يعني من جعل بين هللا وبين العباد وسائط ترفع إليهم الحوائج وهم يرفعونها إلى هللا فهذا شرك. فإذا هذه الضوابط مهمة, البد من فهمها وإدراك معناها ألجل أن نعرف تطبيق الفروع, ألن فروع وآحاد المسائل ال تنتهي, لكن أحكم اإلنسان الضوابط والقواعد العامة سهل عليه التطبيق والفهم, وتفصيل هذا سيأتي في أبواب كتاب التوحيد. كل هذه المسائل سوف نحتاجها وسوف نرجع إليها إن شاء اله تطبيقا وتفصيال في األبواب القادمة إن شاء هللا. إذا هذه المسائل السبع في المباحث الموضوعية من وأدركها فهمها ودرسها بإذن هللا يكون عنده قاعدة وأساس يبني عليه نفسه في فروع الشرك.

11 11 المبحث الثالث: التعليق على النصوص وربطها بالباب. اآلية األولى/ قول هللا عز وجل: (إ ن للا ال ي غ ف ر أ ن ي ش ر ك ب ه و ي غ ف ر م ا د ون ذ ل ك ل م ن ي ش اء) مناسبة وربط اآلية للباب: إذا كان الشرك ال يغفره هللا فهذا مما يوجب الخوف منه. وهذا المقصود في هذا الباب. اآلية الثانية/ قول الخليل عليه السالم: )و اج ن ب ن ي و ب ن ي أ ن ن ع ب د األ ص ن ا م( مناسبة وربط اآلية للباب: إذا كان الخليل عليه الصالة والسالم الذي هو إمام الحنفاء وشيخ الموحدين الذي جعله هللا أمة وحده واصطفاه بخلته وهو الذي كسر األصنام بيده, مع كل هذه المقامات والمناقب الرفيعة يخاف أن يقع في الشرك, فكيف بمن هو دونه بمراتب! الشك أنه أولى ثم أولى ثم أولى! ولهذا كان إبراهيم التيمي -رحمه هللا- إذا قرأ هذه اآلية قال: ومن يأمن البالء بع إبراهيم وقلت: نعم, ال أحد يأمنه بعد إبراهيم عليه الصالة والسالم, لكن نسأل هللا عز وجل أن يعصمت وإياكم من الشرك قليله وكثيره صغيره وكبيره, وأن يتوفانا موحدين غير مبدلين. قوله: )أ ن ن ع ب د األ ص ن ا م( : الفرق بين الصنم والوثن: الصنم: ما كان مصورا على صورة. وأما الوثن: فهو ما عبد من دون هللا على أي شكل كان. الوثن أعم ولذا الصنم قد يسمى وثن ا كما قال إبراهيم الخيلي عليه الصالة والسالم لقومه : )إ ن م ا ت ع ب د ون صلى هللا عليه وسلم سمى القبر وثن ا: "اللهم ال تجعل قبري وثن ا" م ن د ون للا أ و ث ان ا( وهو يعبدون األثان, فالنبي فإذا الوثن أعم, أم الصنم فتطلق على ما كان مصورا على هيئة الصورة. النص الثالث/ وهو الحديث قال عليه الصالة والسالم: )أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر( فسئل عنه فقال: )الرياء(. طبع ا بالنسبة لما يتعلق بالرياء سيأتي له باب مستقل "باب ما جاء في الرياء", لكن نريد نعرف ربط الحديث وعالقته بالباب: نقول: إذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يخاف هذا الشرك على أصحابه, الذين هم أفضل القرون علم ا وعمال, فكيف بمن بعدهم الشك أن الخوف عليهم أشد والخشية من وقوعهم فيه أكبر وأكبر, نسأل هللا أن يحفظنا منه. النص الرابع/ الحديث الثاني: قال وعن ابن مسعود رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: )من مات وهو يدعو من دون هللا ندا دخل النار( الند: هو المثل والشبيه. وقوله: )وهو يدعو( : يشمل دعاء العبادة ودعاء المسألة. كل مسلم, بل عاقل يرجو النجاة من النار, فمن صدق في ذلك خاف وتباعد من أسباب دخولها, كل من كان صادق ا خائفا من دخول النار فإنه يبتعد غاية البعد عن كل سبب يدعو إلى دخولها, ومنأعظم األسباب التي تدعو إلى دخول النار الشرك

12 12 النص الخامس/ الحديث الثالث: حديث جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال: )من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار(. ربط هذا الحديث بالباب: قوله صلى هللا عليه وسلم : " من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" فيه الحكم بدخول النار لمن مات مشركا وقوله: "شيئا " : هذه نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم والعموم هنا يشمل الشرك األكبر واألصغر وهذه مسألة خالفية عن أهل العلم ال هذه مسألة ال ي غ ف ر أ ن ي ش ر ك ب ه ) هل يدخل الشرك األصغر فال يغفره هللا هذا مذهب جماعة من أهل العلم والمحققين أنه أيض ا يدخل في هذه التكفير عفوا ( إ ن للا اآلية. لكن هنا مسألة دخول النار هل يلزم من دخول المشرك النار أن يخلد فيها ألن الحديث يقول: "من لقيه يشرك به شيئا دخل النار" فهنا مشرك دخل النار هل يلزم من ذلك أن يخلد فيها الجواب: ال نقول نعم وال نقول نعم بحسب الشرك إن كان شركه أكبر فإنه يلزم منه الخلود في النار كما دلت على ذلك النصوص وإن كان شركه أصغر فإنه ال يلزم منه الخلود في النار. قوله صلى هللا عليه وسلم: " من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل الجنة" إذا عندنا ضابط: أن كل من مات غير مشرك فإنه يدخل الجنة قطع ا يعذب في النار أو ال نقول بحسب حاله إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرا عليها سلم من الذنوب التي يصر عليها فإنه يدخل الجنة منأول وهلة مع أول الداخلين وإن كان عنده ذنوب وكبائر ومعاصي فهو تحت المشيئة إن شاء هللا عفا عنه وأدخله الجنة أوال وإن شاء عذبه لكنه عذاب بحسب ذنوبه ثم يخرج من النار ليدخل الجنة نسأل هللا أن يجمعنا وإياكم وأن يجيرنا وإياكم ووالدينا ووالديكم من عذاب النار وعذاب السعير وعذاب القبر إنه سميع مجيب. وبهذا نكون قد انتهينا من الكالم على الباب شرحا في هذه المباحث الثالثة السابقة وهو من األبواب المهمة السيما في تقرير وتأصيل موضوع الشرك الذي سوف نبني عليه ما سيأتي إن شاء هللا من األبواب القادمة. أسأل هللا لي ولكم التوفيق وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.. وهللا تعالى أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.